أعلان الهيدر

الرئيسية الحماية الجنائية للحق في الصورة

الحماية الجنائية للحق في الصورة

aaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa aaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa

الحماية الجنائية للحق في الصورة : سلسلة اصدارات مجلة القانون والأعمال الدولية العدد 26

نتيجة بحث الصور عن الحماية الجنائية للحق في الصورة

 

مقدمة

نالت الصورة الاهتمام والمكانة في المجتمعات الإنسانية، وخاصة في التاريخ الإنساني القديم، حيث عرف الإنسان أهمية وقيمة الصورة من خلال الرسم بواسطة الحجارة والأتربة والأخشاب المحروقة، واستمر الأمر على هذا النحو حتى أوائل القرن 18 إذ انتقل الإنسان بهذه الوسائل من الرسم أو النقش باليد إلى الرسم اليدوي باستخدامه للقلم أو الفرشاة أو الرسم على الورق أو القماش أو الألواح من الخشب، وبقي الأمر على حاله إلى عام 1835 إذ تم اختراع أو لآلة تصوير فوتوغرافي[1]، وخلال كل هذه الفترة كان الاهتمام منصبا على استخدام الصورة في مجال الصحافة خاصة بعد التطور الحاصل في مجال صناعة الورق وطباعته، الأمر الذي ساعد على استخدام الصور في الصحف على نطاق واسع، لذلك ظهر ما يسمى بالصورة الصحفية أو التصوير الصحفي[2]، ثم بدأ بعد ذلك الاهتمام بالصورة يأخذ منحى أخر، وخاصة الصور الشخصية وما تمثله من أهمية لصاحبها لأنها جزء من ذاته وكيانه المادي والمعنوي.
والحقيقة أنه مع ظهور التصوير الفوتوغرافي وما ينطوي عليه من إزعاج لراحة الإنسان وسكينته، وتعرض ملامح وجهه لعدسات التصوير دون إذن منه، ظهر في عالم القانون ما يعرف بالحق في الصورة، وذلك لحماية صورة الإنسان من كل الاعتداءات أو الانتهاكات التي يمكنها أن تمس شرفه واعتباره، كأن يتم استخدام الصورة لتشويه شخصية صاحبها أو يجري استغلالها للترويج لفكرة معينة أو منتج معين، مما أدى إلى ضرورة الاعتراف بوجود حق الإنسان في صورته يخوله منع الآخرين من تصويره أو نشر صورته دون موافقته.
كما أن الأجهزة المتطورة في مجال إلتقاط الصور ونقلها وتسجيلها وظهور الحاسوب (الكومبيوتر) وما رافقه من شبكات التواصل والطرق السيارة للمعلومات، فإن كانت مظهرا من مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي التي قمت للبشرية خدمات جليلة في توفير الجهد والإمكانيات وتقريب المسافات، فإنها تركت أثرها في تهديد حرمة الحياة الخاصة للإنسان، ومع الاعتراف بالحق في الصورة أخذت التشريعات سواء الوطنية أو الدولية تعترف بهذا الحق شيئا فشيئا، وتشير إليه إما في بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة من خلال اعتباره مظهرا من مظاهر الحق في الحياة الخاصة، وكون هذا الأخير يعد من أهم حقوق الإنسان وذو مكانة سامية على المستوى الوطني والدولي لاتصاله بحريات الأفراد، إذ الفرد أساس المجتمع والقانون، كما يعتبر المنطلق الرئيسي الذي شغل الفقه والقضاء والتشريع للاهتمام بالحقوق والحريات باعتباره المحور الرئيسي الذي قررت من أجله.
كما ساهمت الصحافة، بدور كبير في مجال انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد وانتهاك الحق في الصور[3]، وذلك تحت غطاء الحق في الإعلام[4]، وندل على ذلك تهافت المصورين الصحفيين المعروفينبالباباراتزي[5]، من أجل إشباع رغبة الجمهور في الإعلام وما يرضيه من أخبار وصور، وما يعد من خصوصيات الأفراد من نشر الأسرار والفضائح والعلاقات الحميمية،إذ يمكن القول بأن الصراع فيالحياة الخاصة وحرية الصحافة في التعبير، صراع شديد المراس[6]، لذلك فان التقاط صور الشخص ضد إرادته جريمة تنطوي من حيث المساس بألفة الحياة الخاصة.
وعلى الرغم من أهمية الصورة بالنسبة لصاحبها، وما تجسد من كيانه المادي والمعنوي، فهي تعكس طبيعة انفعالاته، فقد بات من اللازم حماية صورة الشخص من الاعتداءات التي تستهدف صورته، فينبغي وضع القانون الجنائي جنبا إلى جنب مع القانون المدني قصد خلق الآليات القانونية لحماية الأشخاص ضد التقاط ونشر صورهم، كما نجد أن أغلب الدساتير العالمية ومنها الدستور المغربي لسنة 2011 أقر حماية جنائية بصفة عامة قصد تجريم وعقاب كل مساس بحرمة الحياة الخاصة ومنها حق الإنسان في صورته، ولا يغيب عن الذهن كذلك أن القضاء قد لعب دورا بارزا في بناء صرح متين للدفاع عن هذا الحق، وذلك من خلال تطبيق نصوص قانونية صريحة تعترف بحق الشخص في صورته وحمايتها من كل اعتداء عن طريق الالتقاط أو التسجيل أو النشر قصد المس بسمعته و شرفه.
والحديث عن الحماية الجنائية للحق في الصورة، لا يقتصر فقط المعالجة للشق الخاص المتعلق بالتجريم، بل كذلك الشق الخاص المتعلق بالضمانات الإجرائية لتكتمل صورة حماية هذا الحق في القانون الجنائي من جهة، ومن جهة أخرى، إعمال الموازنة بين حرية الفرد وبين نظام المجتمع وأمنه، إذ أمام التحديات الراهنة والمستقبلية التي صارت تبرز خطورة على الحقوق والحريات الفردية للإنسان، فنجد بذلك الوسائل العلمية الحديثة كالكاميرات وأدوات التصوير صغيرة الحجم التي يمكن وضعها في أماكن لا تخطر على بال الشخص المراد إلحاق الضرر به، وحتى الهواتف الذكية التي صارت اليوم تسجل وتنقل صورة الشخص ولو في منزله من أبرز الأعمال الماسة بالحق في الخصوصية، كما يمكن إرسالها من شخص إلى آخر قصد الانتقام والتشهير به لغرض التسلية، وهذا من شأنه إثارة مشاكل اجتماعية ونفسية وأخلاقية، كما يعتمد فصل الانتهاك للأشخاص ذو مكانة عالية، كأصحاب الفن والرياضة والسلطة بل وقد يشمل أمر الإيذاء على أفراد عائلتهم كذلك.
وعليه، فإن المشرع الجنائي عمل على بسط تعديلات تشريعية حفاظا على خصوصية حياة كل فرد، ونجد بذلك المشرع الفرنسي الذي كان يحمي الحياة الخاصة بموجب المادة التاسعة، من خلال إدخاله قواعد زجرية بقانون 17 يوليوز من سنة 1970 (القانون رقم 643-70) بهدف مواجهة التهديدات التي تعتدي على الحياة الخاصة للأفراد، وقد سعى القانون المذكور على إدخال تعديلات على القانون الجنائي الفرنسي ليتضمن مادة جديدة وهي المادة 368 المعدلة بالمادة 226 في القانون الجنائي الفرنسي الجديد، حيث نصت على تجريم أفعال التقاط أو نقل بواسطة أي جهاز صورة شخص متواجد بمكان خاص بدون موافقته، ويعاقب على هذا الفعل بعقوبة الحبس و الغرامة[7]، وهو نفس التوجه الذي أورده المشرع المصري كاقتباس من القانون الجنائي الفرنسي للنصوص المرتبطة بحماية الحياة الخاصة، حيث أصدر المشرع المصري القانون رقم 37 لسنة 1972 ليعدل بعض النصوص التي كانت قائمة على ضمان الحريات، إذ أضيفت مادتان، وهما المادة 309    و المادة 309 مكرر (أ) التي تحمي حرمة الحياة الخاصة من خلال استراق أو تسجيل أو نقل المحادثات الخاصة، وكذلك التقاط صور في مكان خاص بدون رضاء المجني عليه[8].
إلى جانب التشريع الفرنسي والمصري، نجد أن المشرع المغربي قد استشعر بدوره خطورة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة الذي يشكل خطرا على سمعة وشرف الأشخاص وانتهاكا صارخا لأسرارهم، ولا سيما الحق في الصورة، فأضاف المشرع المغربي بمقتضى القانون رقم 13-103 المؤرخ في 12 مارس 2018 الذي أدخل مواد جديدة تحمي حق الإنسان في صورته أثناء تواجده بمكان خاص ودون موافقته، ويتعلق الأمر بالمواد 1-447 و2-447 و3-447 من مجموعة القانون الجنائي المغربي[9]، وقد تفاعل المشرع المغربي مع واقع انتهاك الخصوصية، لاسيما ما يعرفه المجتمع المغربي من تطور وازدهار مع العصر الإلكتروني، ولا ننسى أنه مع تطور الأجهزة التقنية الحديثة جعلت واقع الجريمة يأخذ منحى الجريمة المستحدثة بما في ذلك جرائم التسجيل والاحتفاظ  والنشر التي تمثل واقع تهديد على ألفة الحياة الخاصة للأفراد، وقد كان من أثر ذلك ازدياد حالات مراقبة الإنسان ومتابعته سرا وبدون علمه، وهو ما يجعل الحديث اليوم عن أمر التقاط صور الأشخاص بصورة واضحة وبدقة متناهية، ناهيك عن أجهزة المراقبة التي تلتقط الصور من مسافات بعيدة على بعد آلاف الأميال على غير ذلك من أجهزة المراقبة المستحدثة.
....................

يتم التشغيل بواسطة Blogger.